قال الفيلسوف إدغار موران ذات مرة: «يجب أن نقبل القسمة على الجميع.»
قد تبدو العبارة للوهلة الأولى تشبيهاً رياضياً بسيطاً، لكنها في حقيقتها تلخيص عميق لفلسفة القيادة ومعنى العدالة في المجتمعات الباحثة عن طريق للخروج من الانقسام والصراع. ففي الرياضيات، هناك أعداد يمكن قسمتها على أعداد كثيرة من دون أن تفقد قيمتها. وفي السياسة، هناك قادة يقبلهم الجميع—قادة لا يشعر أيُّ جزء من المجتمع بأن وجودهم يهمّشه أو يستبعده. هؤلاء هم «القاسم المشترك» في معادلة الوطن.
والسؤال الجوهري اليوم في الصومال هو: هل لدينا قائــد «ينتمي للجميــع»؟ أم ما زلنا محكومين بـ«أعداد أولية» سياسية لا تنقسم إلا على نفسها؟
على مدى أكثر من ثلاثة عقود، عاش الصومال داخل معادلة سياسية مختلّة. ليست المشكلة في غياب الأشخاص، بل في غياب شخصٍ واحد قادر على الارتفاع فوق سياسة الأشخاص. فقد عرف البلد رؤساء تصرّفوا كزعماء عشائر أكثر منهم رؤساء دولة، ومعارضة تلتقي فقط في رفض الحكومة لا في بناء بديل، وحكومات فدرالية تتهاوى سريعاً لأنها قائمة على الهيمنة لا على التوافق، وولايات تتصرف بمنطق الانفصال الإداري والسياسي.
لم يُنتج الصومال، منذ سنوات طويلة، قائداً «محايداً في انتمائه، مُنحازاً للوطن». وبهذا المعنى تبدو الحاجة إلى شخصية جامعة اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
القائد المطلوب ليس «محايداً» بالمعنى السطحي للحياد، الذي قد يخفي ضعفاً أو تردداً، بل قائداً عادلاً؛ يقف في صف المصلحة العامة من دون إقصاء أحد، ويرى الوطن أكبر من العشيرة، والدستور أعلى من الأفراد، والولايات شُركاء لا توابع، والمعارضة ضرورة لا عبئاً. قائدٌ تحكمه المؤسسات ولا يعلو عليها، ثابت في المبدأ، مرن في العلاقات، واضح بلا استعلاء، قوي من غير تسلّط.
هذه الحاجة تزداد لأن الاستقطاب السياسي لم يعد خلافاً يمكن إدارته، بل تهديداً وجودياً. الخلاف بين الحكومة والولايات، الاحتقان بين السلطة والمعارضة، تعدد مراكز القوة داخل مقديشو—كلّها تحوّلت إلى عوائق أمام الاستقرار الوطني.
لم يعد ممكناً حكم الصومال بمنطق «الغالب والمغلوب»، بل بمنطق الشراكة والتمثيل والاعتراف المتبادل. فإعادة بناء المؤسسات الأمنية، واستعادة ثقة الناس، وتحديث الاقتصاد، وتنظيم الانتخابات، وصياغة رؤية طويلة المدى—كلّها مهام لا يمكن إنجازها بقرارات أحادية، بل بتحالفات واسعة وشراكات حقيقية.
لقد سئم الصوماليون القادة الذين يوسعون شرخ الوطن بدل ردمه. يريدون رئيساً يستطيع زيارة كل بقاع البلد، وأن يتعامل مع المواطنين بمعيار واحد لا بمعيار الولاء السياسي. يريدون قائداً يشكل خطاً فاصلاً بين الأمس والغد، لا امتداداً لصراعات الماضي.
لكن ما الذي يجعل القائد «ينتمي للجميع»؟


