لأعوام طويلة، ظلت مقديشو أسيرة دائرة من الخداع السياسي؛ وهمٌ صُنع بعناية ليصرف انتباه المواطنين عن الأزمات الحقيقية التي يواجهونها يومياً. ومن أكثر الروايات تكراراً الادعاء بأن العاصمة “تتبع” لقبيلة معينة، وكأن مدينة كبرى يسكنها أكثر من أربعة ملايين نسمة يمكن أن تكون ملكية خاصة لعشيرة أو سلالة. هذا الخطاب لا يستند إلى أي أساس، بل هو تشتيت متعمّد.
اليوم، تنتشر في مقديشو أكثر من نصف مليون وحدة سكنية، شُيّد كل منزل منها بجهد وتضحية من عائلة محددة. الملكية هنا فردية وليست قَبَلية. القبيلة ليست شركة عقارية تمتلك أصولاً. ومن المدهش أن يدّعي أشخاص لم يبنوا قط حتى كوخاً صغيراً بأن “مقديشو لنا”؛ وهذا يكشف مدى تغلغل التلاعب السياسي في خطاب العامة.
هذه الشعارات ليست عن الأرض بقدر ما هي أدوات إلهاء. تُستخدم لتحويل الأنظار عن ضعف أداء المؤسسات وانهيار الخدمات الأساسية. وأكثر من يرفعون شعار “الملكية” هم أنفسهم من يلوذ بالصمت حين يطالب المواطنون بمحاسبة الجهة التي تجبي الضرائب وتدير المدينة.
وإن كانت مقديشو “ملكاً” لهؤلاء كما يزعمون، فأين المكاسب التي يعاينها السكان؟
هل يحصل الأهالي على تعليم ورعاية صحية بأسعار مناسبة؟ كلا.
هل تصلهم مياه نظيفة وكهرباء مستقرة ورخيصة؟ كلا.
هل الطرق ممهدة وآمنة وعملية؟ كلا.
هل تُدار شبكات الصرف الصحي والمجاري بشكل سليم؟ كلا.
هل يحصل المواطن على وثائقه الرسمية بسهولة ومن دون فساد؟ أبداً.
هل يوفّر النظام القضائي عدالة وثقة؟ أيضاً لا.
والأسوأ من ذلك هو الوضع في المناطق الريفية التي ينتمي إليها معظم هؤلاء المطالبين بالملكية. فما يزال جزء كبير منها تحت سيطرة حركة الشباب، والتنقل فيها محفوف بالمخاطر، تعترضه حواجز تفرضها ميليشيات عشائرية تبتز المسافرين—وغالباً ما يكونون من “أبناء العم” كما يعترف الناس أنفسهم.


-1024x576.png&w=3840&q=85)