تشكل عمليات الإخلاء الأخيرة للأراضي في مقديشو المثال الأوضح على قرار إداري خاطئ — قرار يخالف القانون، وصدر عن جهات لا تمتلك تفويضاً قانونياً، وتجاهل أبسط أسس العدالة، والإجراءات الواجبة، والمساواة الدستورية.
هذه ليست مجرد أخطاء تقنية. فنتائجها تمس حياة المواطنين مباشرة: منازل تُهدم، عائلات تُهجَّر، وأرزاق تُمحى. وعندما تخرج الحكومة عن حدودها القانونية، فإن الضرر لا يكون إجرائياً فقط، بل إنسانياً واقتصادياً وسياسياً أيضاً.
القرار الحكومي الصحيح يجب أن يلتزم بالقانون، وأن يصدر عن مؤسسة مخوّلة بذلك، وأن يتبع إجراءات تكفل العدالة. قرارات الإخلاء التي شهدتها مقديشو أخفق في كل هذه الشروط. وحتى اليوم، لا يزال مصدر القرار الذي شرّد مئات الآلاف من المواطنين غير معروف.
ما هو معلوم، مع ذلك، أن إدارة الأراضي ليست من ضمن الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية. فواجبه الأسمى هو حماية الدستور الذي يبدأ بمبدأ واضح: “المواطنون الصوماليون متساوون في الحقوق والواجبات”. لكن المساواة كانت أول ضحايا هذه الإخلاءات.
التناقضات فاضحة. فبعض المجتمعات التي أُبعدت بدعوى “المصلحة العامة” حصلت على قطع أراضٍ بأسعار رمزية، كما حدث في صنعا وزونا كي. بينما أُخرج آخرون، مثل تجار سوق سيناي، دون تعويض ولو بشلن واحد.
وفي مناطق معينة، طُلب من العائلات التي اقتُلعت من منازلها شراء قطع جديدة بأسعار تصل إلى 100 ألف دولار، بينما حصل آخرون على أراضٍ مماثلة بمبالغ زهيدة. هذا ليس سياسة عامة منسجمة؛ بل تطبيق انتقائي للقانون، وعدم مساواة بنيوية، وتقويض لأبسط مبادئ العدالة.
تحدث الرئيس حسن شيخ محمود عن ملف الأراضي مرتين. في المرة الأولى، قدم الإخلاءات ضمن سياسة لإعادة تنظيم المدينة، وتحرير الطرق العامة، ومعالجة “العشوائيات” — وهي رؤية، وإن لم تكن من اختصاصه الدستوري، إلا أنها تبقى قابلة للنقاش العام.
أما في المرة الثانية، فقد ترك أهم سؤال دون إجابة: إذا كانت الأراضي قد صودرت من المواطنين باسم المصلحة العامة، فلماذا لم تُستخدم للمصلحة العامة؟ أين المباني العامة الموعودة؟ أين خطة إعادة التطوير؟ لم ير أي من المتضررين المشاريع العامة التي استُخدم اسمها لتبرير إزاحتهم.
بدلاً من ذلك، ظهر نمط من استفادة النخب. أقل من 50 شخصاً، على ما يبدو، استفادوا من تخصيصات الأراضي. مؤسسات حكومية سابقة — مثل مدرسة البريد والاتصالات — تحولت إلى مواقع لمشاريع خاصة.
وتستمر جهات رسمية مثل إدارة الإطفاء في شغل أراضٍ حكومية بطريقة غير قانونية. ويجري استبدال البيوت المهدمة بمشاريع بناء سريعة، بلا رقابة تنظيمية، ودون أي صلة بالمصلحة العامة. هذه ليست حوكمة؛ بل استحواذ على الموارد العامة باستخدام السلطة.

