4 ديسمبر 2025 — تمثل إساءة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمهاجرين الصوماليين أكثر من مجرد هجوم شخصي؛ فهي تشكل تحدياً صارخاً لفكرة “بوتقة الانصهار” التي قامت عليها الهوية الأميركية لعقود طويلة. فقد روّجت الولايات المتحدة لنفسها كدولة يستطيع فيها الناس من خلفيات متنوعة العيش والمساهمة والازدهار معاً—وهو مفهوم قائم على الاندماج والاحترام المتبادل، لا على الإقصاء ونزع الإنسانية.
من خلال وصفه للصوماليين بـ“القمامة” والتشكيك في قيمتهم داخل المجتمع الأميركي، يقوّض ترامب هذا التصور، كاشفاً التوتر المستمر بين الخطاب القومي المتشدد والواقع الأميركي المتعدد الثقافات.
التأثير الفوري لمثل هذا الخطاب هو نزع الإنسانية. إن اختزال مجتمع كامل—هرب كثير من أفراده من الحرب والاضطهاد والفقر—في صفة مهينة، يمحو الفردانية ويعمّق الوصم. وعندما يقدّم زعيم دولة مجموعة مهاجرة باعتبارها عديمة القيمة، فإنه يطبع التمييز، وقد يشجع على الكراهية وجرائم الكراهية.
وبالنسبة للصوماليين الأميركيين، خصوصاً في ولاية مينيسوتا التي تضم جالية كبيرة، فإن تداعيات هذه التصريحات رمزية ومادية في آن واحد: يتم تجاهل حضورهم ومساهماتهم علناً، مما يخلق مناخاً من الخوف والتهميش.
كذلك تكشف تصريحات ترامب عن تكتيك سياسي شائع: تبسيط القضايا الاجتماعية المعقدة وتحويل المهاجرين إلى كبش فداء لمشكلات بنيوية مثل عدم المساواة الاقتصادية أو ارتفاع معدلات الفقر أو الجريمة—وهي قضايا تدحضها الأدلة الدقيقة. إن تصوير الصوماليين بصورة نمطية واحدة يتجاهل واقعهم المتعدد، من رواد الأعمال الناجحين والمشاركين في الحياة المدنية إلى إسهاماتهم الثقافية الثرية.
هذه الحادثة تعكس أيضاً هشاشة فكرة “بوتقة الانصهار” في السياسة الأميركية المعاصرة. فبينما تحتفي أميركا ظاهرياً بالتنوع، تُختبر حدود الشمولية باستمرار. فالسياسات الخطابية والعملية—من قوانين الهجرة المتشددة إلى شيطنة الأقليات—تكشف الصراع المتواصل حول سؤال الانتماء. وفي هذا السياق، تبدو تصريحات ترامب ليست شاذة، بل تذكيراً بأن قيم الشمولية تتطلب يقظةً ودفاعاً مستمراً.
ولا يقتصر أثر هذا الخطاب على الرمزية؛ بل يمتد إلى الواقع الملموس. فقد يواجه المهاجرون تدقيقاً أمنياً أكبر أو تمييزاً أوسع، كما يمكن أن يتآكل التماسك الاجتماعي مع شعور المجتمعات بأنها غير مرحب بها. ويؤدي تطبيع لغة الإقصاء إلى إضعاف القدرة على خلق تعاطف وتعاون وفهم متبادل بين المجموعات المختلفة.
ومع ذلك، فإن ردود الفعل جاءت لتُظهر قدرة المجتمع الصومالي الأميركي على الصمود. فقد أدان أفراد الجالية وحلفاؤهم هذه التصريحات، مؤكدين مساهماتهم ونزاهتهم وإنسانيتهم. ويعكس هذا الرد أن الهوية لا تتشكل من نظرة الآخرين فحسب، بل من التجربة الحية والعمل والمشاركة في الحياة العامة. كما يجسد قيمة أميركية أعمق: ويجدر أن توجه العلاقات بين مكوّنات المجتمع قيمُ العدالة والكرامة والشمول، حتى في مواجهة الخطاب التحريضي والانقسامي
في المحصلة، تكشف تصريحات ترامب عن التوتر بين الخطاب الإقصائي والفكرة الأميركية الطموحة عن “بوتقة الانصهار”. فهي تبرز مخاطر تنامي رهاب الأجانب، وسهولة أن يقوم القادة السياسيون بتجريد مجتمعات كاملة من قيمتها. وفي الوقت نفسه، يؤكد رد الصوماليين الأميركيين والجمهور الأوسع قوة قيم الشمول والصمود، والإيمان بأن الهوية الوطنية ليست معادلة صفرية، بل مشروعاً مشتركاً للعيش معاً.
ويبقى السؤال: كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع مثل هذا الخطاب—من خلال المشاركة المدنية والسياسات العامة والنقاشات المجتمعية؟ الإجابة ستحدد ما إذا كانت “بوتقة الانصهار” ستظل رمزاً طموحاً للمستقبل، أم مجرد ذكرى قديمة في بلد يواجه انقسامات عميقة.
*كيفر أوتيونو ، صحفي كيني مخضرم، ومستشار إعلامي.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر منصة بوابة إفريقيا.

