بعد نحو خمسة وثلاثين عامًا على انهيار الحكومة المركزية في الصومال عام 1991، لا يزال البلد عالقًا في مسار سياسي يُوصَف كثيرًا بأنه «مرحلة انتقالية». فقد شهدت البلاد تعاقب حكومات، وصياغة دساتير ومراجعتها، وتدفّقًا مستمرًا للدعم الدولي. ومع ذلك، ظلّ استحقاق ديمقراطي جوهري مؤجَّلًا: إجراء انتخابات مباشرة تقوم على مبدأ «شخص واحد، صوت واحد». إن إخفاق الصومال في إعطاء الأولوية للانتخابات المباشرة لا يقتصر على كونه مسألة تقنية أو أمنية، بل هو خيار سياسي أضعف بصورة عميقة الشرعية الديمقراطية، والمساءلة، والثقة السياسية.
سجلّ ديمقراطي متقطّع
تعود بدايات المسار الديمقراطي المعاصر في الصومال إلى انقلاب عسكري أطاح بالحكومة المدنية المنتخبة عام 1969. وقد حكم النظام العسكري البلاد واحدًا وعشرين عامًا قبل أن ينهار في 1991، وهو انهيار قاد إلى تفكك الدولة واندلاع صراع أهلي طويل الأمد. وفي ظل غياب مؤسسات فاعلة، انتقلت السلطة السياسية إلى شيوخ العشائر وقادة المليشيات وأمراء الحرب. وركّزت مبادرات المصالحة المبكرة أساسًا على استعادة قدر من الاستقرار عبر ترتيبات لتقاسم السلطة تقودها النخب، بدل إعادة بناء نظام سياسي يتمحور حول المواطن.
هذا النهج أسّس لثقافة سياسية بات فيها التمثيل نتاج تفاوض لا اختيارًا انتخابيًا مباشرًا. وبدل إعادة بناء الديمقراطية من القاعدة إلى القمة، اعتُمدت ترتيبات قدّمت استقرار النخب على المشاركة الشعبية الواسعة. ومع مرور الوقت، أصبحت النخب السياسية مقاومة للتغيير، مفضِّلة إعادة إنتاج أنماط حكم مألوفة في إطار نظام المحاصصة العشائرية (4.5)، وهو سلوك سياسي ما زال حاضرًا حتى اليوم.
منذ قيام الحكومة الوطنية الانتقالية عام 2000 وحتى انتهاء الحكومة الفيدرالية الانتقالية عام 2012، اعتمد الصومال في الغالب آلية الاختيار غير المباشر. وقد جعلت صيغة 4.5 الهوية العشائرية أساس التمثيل السياسي، على حساب مفهوم المواطنة الفردية. ورغم توصيفها في البداية كتدابير مؤقتة، ترسّخت الانتخابات غير المباشرة تدريجيًا. ومع كل مرحلة انتقالية، كانت تُطلَق وعود بانتخابات مباشرة لاحقة، لكنها لم تتحقق. ومع الوقت، تحوّلت «الآلية المؤقتة» إلى واقع دائم أنهى عمليًا ترسيخ الممارسة الديمقراطية.
المرحلة الاتحادية: وعود بلا تنفيذ
أثار تأسيس الحكومة الفيدرالية الصومالية عام 2012 آمالًا بتجديد الحكم الديمقراطي. وتعاقبت حكومات تعهّدت علنًا بإجراء انتخابات مباشرة، ولا سيما في 2016 و2021. غير أن السلطات الفيدرالية والإقليمية دأبت على تأجيل هذه الاستحقاقات، مبرّرة ذلك بمخاوف أمنية، وصعوبات لوجستية، وخلافات سياسية. وعلى الرغم من واقعية هذه التحديات، فإنها تحوّلت تدريجيًا إلى ذرائع أكثر من كونها عوائق لا يمكن تجاوزها.
لقد كان غياب الإرادة السياسية المستدامة أكثر تأثيرًا من القيود التقنية. فمصالح النخب ومخاوفها من التنافس الانتخابي أعاقت التقدم. إذ إن أحد الأسباب الجوهرية لاستمرار تعذّر الانتخابات المباشرة هو أن الأنظمة غير المباشرة تصبّ في مصلحة النخب السياسية: سماسرة العشائر، والمسؤولون القائمون، وقادة الأقاليم، وأصحاب المصالح الراسخة الذين يحافظون على نفوذهم عبر آليات الاختيار التفاوضي. أما الانتخابات المباشرة فتنقل السلطة إلى عموم المواطنين، وتفرض تنافسًا حقيقيًا يتطلب مساءلة، وسياسات فعّالة، ومشاركة نشطة—وهي متطلبات يتحفّظ كثيرون داخل المنظومة الحالية على تبنّيها.
وبالتالي، تُستحضَر إصلاحات ديمقراطية في الخطاب، لكنها تُتجنَّب في الممارسة. وقد ترتّبت على كلفة التأجيل آثار جسيمة: تآكل الثقة العامة بالمؤسسات السياسية، ولا سيما لدى الشباب الذين يشكّلون أغلبية السكان. وبدا الانخراط السياسي بعيد المنال وغير مجدٍ، ما يغذّي اللامبالاة والسخط. كما تواجه الحكومات المنبثقة عن نظم غير مباشرة إشكاليات شرعية تقوّض قدرتها على الحكم الفعّال، وحل النزاعات، وتعزيز الوحدة الوطنية. ويزيد غياب التفويض الديمقراطي الداخلي المتين من اعتماد الصومال المستمر على الفاعلين الخارجيين.
الأمن أم الديمقراطية: معضلة زائفة

