في مسيرتي المهنية، جُبتُ أرجاء هذا البلد الجميل؛ من السهول المغبرة في الشمال إلى المراعي الخضراء الممتدة في الوسط. التقيتُ بالناس، استمعت إلى قصصهم، ودُعيت مرارًا إلى بيوتهم وحياتهم اليومية. كانت تجربة غامرة ومتواضعة، ومليئة بالمفاجآت دائمًا.
لأعوام طويلة تابعتُ المجتمعات الرعوية: الماساي، الرنديله، الصوماليين، السامبورو، وغيرهم. جرّبت الكثير من عاداتهم الغذائية — تذوقتُ الدم النيء (كما هي العادة في بعض المجتمعات)، وتعلمت إعداد الـ“مونونو” (أمعاء مطهوة مع الدم عند الماساي)، وجرّبت أكلات كثيرة.
لكن حليب الإبل؟ ذلك ما لم أجرؤ عليه يومًا.
كنت أشاهد الرعاة وهم يحلبون الإبل، ينظفون الحليب، يسكبونه في القِرب، ويشربونه. أما أنا فكنت أكتفي بنظرات فضولية من بعيد.
لكن هذه المرة كانت مختلفة.
كيف بدأت الحكاية؟
في إحدى الرحلات إلى منطقة نائية، ذكرتُ بلا مبالاة أنني لطالما رغبت في تذوق حليب الإبل. فابتسم مديري — الذي أصبح اليوم صديقًا — وفاجأني بثلاثة لترات من الحليب الطازج.
كانت فكرتي الأولى: هل أريد فعلًا أن أجربه؟
الموروثات الشعبية كانت تدقُّ في رأسي: من قال إنه يسبب اضطرابات في المعدة… ومن حذّرني من الإسهال…ومن ادّعى أنه “ينظف الجسم” لكنه قوي جدًا لمن يسافر ويتحرك كثيرًا.
نصحني البعض بأن أترك الحليب يبرد، وأشربه في مكان هادئ… كي أتمكن من “مراقبة العواقب” كما قالوا.
انتظرت، ووضعت الحليب في مكان ظليل ليبرد. لكن القدر كان له رأي آخر.
وأثناء تجوالي، صادفت مجموعة من الرعاة يرعون إبلهم تحت الشمس، عرضوا عليّ كوبًا من الحليب الطازج. تردّدت. أخذت رشفات صغيرة… ثم رشفة كاملة واعية.
الطعم الأول… وما بعده
فورًا لاحظتُ شيئًا مختلفًا. لم يكن هذا مجرد حليب؛ كان أغنى، أنعم، وأكثر “حياة” من أي حليب ذقته. مغذٍ، نعم… لكن أيضًا مريح بشكل غريب، مع قوام كريمي خفيف يلتصق باللسان.
ومع أن أفكاري كانت تركض — هل سأتأذى؟ هل الأساطير صحيحة؟ — إلا أن جسدي لم يصدر أي إنذار.
لا تقلصات…لا اضطرابات مفاجئة…
لا شيء من ذلك.
لكن مع حلول المساء، تغيّر الإيقاع. شعرت بأن معدتي… تتنظف. كأن الحليب مرّ داخلي برفق، ينظّف ويُفرغ. استيقظت في اليوم التالي بخفة داخلية عجيبة، كأن توترًا دفينًا قد غادرني. أشبه بشعور “العلاج العشبي” الذي يعمل ليلًا ليهدئ ويُصلح.
لماذا يحدث هذا؟ وما الذي يقوله العلم عن حليب الإبل؟
لم تكن مشاعري خيالًا. فالعلم يدعم معظم ما يُروى عن حليب الإبل.
فبينما كنت أرتشفه لأول مرة، أدركت لماذا يقدّره الرعاة.
فهو ليس لذيذًا فقط، بل غني بالعناصر الغذائية:
• تركيب البروتين فيه أبسط وأسهل هضمًا من حليب البقر.
• يحتوي على فيتامين C بنسبة أعلى بكثير من الحليب العادي.
• غني بالحديد والزنك والكالسيوم وعناصر نادرة يسهل امتصاصها.
لذا لم يكن غريبًا أن أشعر بتلك “التغذية العميقة” منذ الرشفة الأولى.
لكن فوائده تتجاوز التغذية.
حليب الإبل يعزّز المناعة طبيعيًا. فهو يحتوي على: • اللاكتوفرين
• الليزوزيم • الأجسام المضادة الطبيعية


