قد تستغرق النتائج النهائية لانتخابات مقديشو الأخيرة أسبوعًا أو أكثر قبل إعلانها رسميًا، لكن النتائج الأهم كانت واضحة منذ اللحظة التي أُغلقت فيها مراكز الاقتراع. فقبل أن تُدوَّن أسماء الفائزين والخاسرين على الورق، كانت العملية الانتخابية نفسها قد أصدرت أحكامًا حاسمة على أسئلة ظلت تطارد السياسة الصومالية لعقود: القدرة، والأمن، والشرعية، وملكية القرار.
أولًا، الأرقام وحدها تروي قصة لافتة. قرابة نصف مليون مواطن أدلوا بأصواتهم خلال 12 ساعة فقط، في أكثر من 500 مركز اقتراع داخل العاصمة. لم يكن ذلك تمرينًا رمزيًا، بل حراكًا مدنيًا واسع النطاق، على مستوى لم يكن كثيرون يعتقدون أنه ممكن في مقديشو. وقد وقف خلف هذا الجهد نحو خمسة آلاف من موظفي الانتخابات، إلى جانب لجنة انتخابية خاضت هذه التجربة للمرة الأولى بكل مراحلها، من التخطيط والتنسيق إلى التنفيذ. وقد أنجزوا المهمة.
وبذلك، جاءت الإجابة حاسمة على منتقدين طالما شككوا في كفاءة ومهنية وفعالية ونزاهة المؤسسات الانتخابية الصومالية. فالجدل الطويل حول افتقار هذه المؤسسات للخبرة والقدرة على إدارة انتخابات ذات مصداقية لم يضعف فحسب، بل خسر المعركة بالكامل.
أما الأمن، وهو الذريعة الدائمة، فكان الاختبار التالي. فتمكين مئات الآلاف من الناخبين من التنقل، وضمان وصولهم إلى مراكز الاقتراع، وتأمين العاصمة طوال يوم الانتخابات، لطالما اعتُبر مهمة مستحيلة. هذه المرة، نجحت القوات الأمنية الصومالية في اجتياز التحدي. وأداؤها بدد المقولة المألوفة بأن “البلاد غير آمنة” وبالتالي لا بديل عن الانتخابات غير المباشرة. وكما كان يجادل سابقًا المفوض السابق حسين عبدي، فقد كانت الهشاشة الأمنية هي المبرر الجوهري للتأجيل. في ذلك اليوم، سقط هذا المبرر تحت وطأة الواقع.
غير أن أكثر المواجهات السياسية دلالة جرت بهدوء، لكنها كانت مرئية للجميع: مواجهة بين الناخبين العاديين في مقديشو وبين الوسطاء السياسيين التقليديين القائمين على منطق العشيرة. الصور كانت واضحة؛ مواطنون يتقدمون بوجوه مكشوفة، وأصابعهم الملطخة بالحبر مرفوعة أمام الكاميرات، وأصواتهم تُوضع بثقة في صناديق الاقتراع. كان ذلك إعلانًا صريحًا للوكالة والاختيار. وعلى خلاف التوقعات، حسم الناخبون المتحمسون المعركة، وقدموا نتيجة أربكت من افترضوا أن السلوك السياسي سيبقى محكومًا بالترتيبات المغلقة.




